الثلاثاء، 14 يونيو 2011

ســـآحة التغيير


ساحة التغيير

بشرى صحفية مصورة تذهب كل يوم إلى ساحة التغيير في صنعاء لتُطلِع العالم على الحقيقة من خلال عدسة كاميرتها .. لم تكن تأبه للأصوات المحذرة لها من مغبة هذا العمل الخطير فقد كانت تؤمن بأنها يجب أن تكون حاملة للقضايا العادلة مهما كانت النتائج .. توفي زوجها وهو يعمل في ورشة حديد في إحدى دول الخليج .. كان يكافح ليل نهار ليؤمن مستقبل زوجته وطفلهما الوحيد سعيد.. مما أضطرها بعد وفاته إلى مواصلة تعليمها الجامعي وإمتهان هذه المهنة الخطيرة .. لم تطمح بالكثير من الحقوق في هذا الوطن المنكوب لكنها كرهت الفقر والظلم وحلمت بالعيش بمستوى معقول من الأمن والأمان والكرامة .. وهكذا حال الكثيرين من أبناء بلدها الذين يخرجون كل يوم إلى ساحة التغيير..
استيقظت في ذلك الصباح الجميل باكراً كعادتها كل يوم وأيقظت طفلها سعيد .. أخذته في حضنها بعطف وحنان لا يُوصَف .. فقد كانت تخشى أن تموت هذا اليوم في الساحة وتترك هذا الطفل وحيداً .. ترقرقت من عينيها دمعتان وهي تقبله بشغف .. مما جعله يتأمل أمه وهو يمسح دموعها قائلاً في براءة الأطفال :
- لماذا تبكين يا أمي ؟
- ليس هناك شيء يا ولدي .. لكني أردتُ ان أقول لك أني أحبكَ كثيراً .
غاص بين أحضانها ويداه متحلقتان حول عنقها وهو يقبلها ويقول :
- وأنا أحبكِ يا أمي كثيراً .. أرجوكِ لا تبكي يا أمي .
تناولا طعام الفطور وبعد أن جهزته بثياب الروضة ومستلزماتها انطلقت مع ولدها كعادتها كل يوم .. وبعد أن ودعته في باب الروضة ومضت قليلاً هتف بها في استعطاف وهو ينطلق نحوها بسرعة قافزاً الى احضانها :
- أمي لا تتركيني .
- ما بكَ اليوم يا حبيبي ؟ سأعود اليكَ بعد نهاية اليوم وآخذكَ للبيت مثل كل يوم ؟
قبَّل عينيها وهو يقول :
- لا تتأخري عليَّ يا أمي .
مضتْ إلى ساحة التغيير القريبة من المكان وكلمات طفلها تدوي في عقلها .. تُرى لماذا أخشى الموت ومع ذلك أُصر على هذه المهنة الخطيرة ؟
- لكَ الله يا ولدي .. لكَ الله .
قالتها وهي ترنو الى السماء فقد كانت قضيتها أكبر من الأمومة ومن كل حدود وقيود الأرض ..وما دام في السماءِ الرزقُ والأجل فلما الخوف إذن ؟
انقطعتْ حبال أفكارها وهي تنخرط مع زملائها الصحفيين وهم يتدافعون نحو ساحة التغيير .. لقد كانت حينها قوات الأمن تقتحم المعتصمين بعيارات نارية حية وقنابل سامة مسيلات للدموع وكان هناك بلاطجة يطلقون النار بشكل عشوائي على الناس.. عدد كبير من الجرحى والشهداء في تزايد مستمر.. المستشفى الميداني بساحة التغيير إمتلأ بجثث الشهداء والجرحى من المعتصمين والمارة شيوخاً وشباباً , نساءً وأطفالاً .. كانت الرصاصات الطائشة كالمطر لا تعرف سوى لغة واحدة وهي لغة الموت .. بينما هي تنقل الحدث كما هو بعد أن داست خوفها من الموت بل إنها في تلك اللحظة تمنت مثل هذا الموت الشريف .. وبينما هي تسلط عدسة كاميرتها على جثث الشهداء تسمرت عيناها من هول المشهد والدماء فرمت بكاميرتها وانطلقت إلى جثة واحدة من بينهم.. كانت الجثة تبتسم في رضا وإطمئنان وكأنها ليست ميتة .. اقتربت منها اكثر .. وأكثر .. وقربها سقطت هي على الأرض مضرجة بالبكاء والنحيب .. وصرخت صرخة أنشق لها الكون قبل أن تفقد وعيها .. لقد كانت جثة طفلها سعيد .





يوم الخميس 07-04-2011 م
الساعة 01:50 م

0 التعليقات: