العدو المجهول
(1)
خفق قلبها في قوة وهي تتلفت حولها مذعورة وسط فضاء لامتناهي ليست له حدود أو نهاية , ولا يوجد عليه أية معالم سوى كهف موحش يبدو أشبه بقلعة ضخمة من قلاع العصور الوسطى , وإذا بصوت مخيف يتردد صداه في المكان وفي أذنيها وهو يقول :
- هيا ادخلي الكهف الآن ... لن أدعكِ الليلة حتى تدخليه .
لقد كان ذلك الصوت المخيف لفتاة غريبة الملامح لها شعر طويل تجره على الأرض جراً , ولها عينان طوليتان مصبوغتان بالحمرة , تتدلى أنيابها البارزة على شفتيها , ومن تحتها ذقن صغير يميل للتكور والانبعاج , أما بشرتها فقد كانت حالكة السواد كظلام الليل إذا عسعس .
لقد بدت في تلك الليلة أكثر غطرسة وكبرياء من ذي قبل وهي تكرر بصوت يحمل نبرة التهكم والسخرية :
- هيا يا صغيرتي ... هل ستدخلين بإرادتك ؟ أم أجبرك على الدخول بالقوة ؟
شهقت رندا شهقة رعب وهي تقول بصوت متلعثم مليء بالخوف والهلع :
- ولكن هذا مستحيل .. مستحيل تماماً .. لا أصدق ما يحدث حولي.. يبدو أنني أعيش حلماً مزعجاً .
- ولكن هذا مستحيل .. مستحيل تماماً .. لا أصدق ما يحدث حولي.. يبدو أنني أعيش حلماً مزعجاً .
أطلقت تلك الفتاة الغريبة ضحكة عالية وعيناها الطوليتان تدوران داخل محجريهما , وتطلقان بريقاً أحمراً مرعباً وهي تقول :
- لا تكوني غبية يا فتاة تعالي معي إلى عالمنا .. فعالمكم يتسم بالجهل والغباء أما عالمنا فيتسم بالعلم والدهاء .
- لا تكوني غبية يا فتاة تعالي معي إلى عالمنا .. فعالمكم يتسم بالجهل والغباء أما عالمنا فيتسم بالعلم والدهاء .
ثم صمتت لحظة وهي تتأمل رندا بعينين صارمتين واستطردت في حزم :
- والقوة .
- والقوة .
أطلقت رندا صرخة رعب أخرى وتلك الفتاة الغريبة تمسك بمعصمها بمنتهى القسوة وهي تردف في غضب :
- هيا ادخلي الكهف الآن أيتها الغبية .
- هيا ادخلي الكهف الآن أيتها الغبية .
لم تكف الصرخات المرتعبة التي انطلقت من بين شفتي رندا , وهي تشيح برأسها بعيداً لتتحاشى النظر إلى تلك الفتاة الغريبة , فوقعت عيناها على تلك اليد التي تمسك بمعصمها , وهنا أظلمت الدنيا أمام عينيها وفقدت الوعي وهي تصرخ وتصرخ دون توقف من هول ما رأت .
كانت يدان تلك الفتاة الغريبة ممتلئتان بشَعْرٍ كثيف يغطيهما تماماً
كانتا أشبه بمزرعة ..
مزرعة من شَعْر .
(2)
احتضنتها أمها في عطف بالغ وأمطرتها بالقبلات الحنونة وهي تقول في إشفاق :
- مالك يا بنيتي ؟ لقد كنت تصرخين بشكل مخيف .. هل هو نفس الكابوس المزعج ؟
بدا صوتها وكأنه آت من مكان سحيق وهي تقول بصوت مرتجف متلعثم لا تكاد كلماتها تفهم من شدة الخوف :
- نعم .. إنه نفس الكابوس المزعج يا أماه .. نفس الفتاة ونفس المكان ونفس التهديد و ...
- نعم .. إنه نفس الكابوس المزعج يا أماه .. نفس الفتاة ونفس المكان ونفس التهديد و ...
لم تستطع أن تكمل عبارتها وهي تتخيل الموقف فانهمرت دموعها بغزارة من عينيها وغاصت بين أحضان أمها وكأنها تحتمي من كل شياطين العالم وتقول بصوت تخنقه الدموع والعبرات :
- مستحيل يا أماه ... لا أستطيع أتحمل أكثر من ذلك .
- مستحيل يا أماه ... لا أستطيع أتحمل أكثر من ذلك .
قالت الأم وهي تلملم ابنتها في أحضانها في عطف وحنان :
- لا داعي للخوف يا ابنتي .. سينتهي كل ذلك ..فقط عليك ألا ترهقي نفسك كثيراً .
- لا داعي للخوف يا ابنتي .. سينتهي كل ذلك ..فقط عليك ألا ترهقي نفسك كثيراً .
خفت حدة بكائها قليلاً وهي تقول للتخفيف عن أمها من دون إيمان بما تقول في قرارة نفسها:
- نعم سينتهي كل ذلك بإذن الله ... إنه مجرد كابوس .
- نعم سينتهي كل ذلك بإذن الله ... إنه مجرد كابوس .
(3)
لو أردنا تعريفاً دقيقاً للخوف تلك الليلة .. لم نجد أدق من قولنا أن رندا كانت مثالاً مجسداً للخوف والهلع وهي تستمع لتلك الفتاة الغريبة وهي تقول :
- ما زلتِ يا صغيرتي تتمسكين بعالمك الضعيف .. هيا تعالي إلى عالمنا القوي والكبير .. ما عليك يا صغيرتي إلا أن تدخلي معي هذا الكهف وينتهي الأمر بسرعة .
هزت رندا رأسها في حيرة وهي تقول :
- ولكن لماذا أنا بالذات ؟ لماذا تريدينني أن آتي معك إلى عالمك وأترك عالمي ؟ أنا أحب العالم الذي أعيش فيه و....
- ولكن لماذا أنا بالذات ؟ لماذا تريدينني أن آتي معك إلى عالمك وأترك عالمي ؟ أنا أحب العالم الذي أعيش فيه و....
قاطعتها الفتاة الغريبة وهي تقول :
- لا تكثري من الأسئلة يا فتاة إذا كنتِ لا تريدين استخدام القوة والعنف معك .
- لن أذهب معك أبداً .
- لا تكثري من الأسئلة يا فتاة إذا كنتِ لا تريدين استخدام القوة والعنف معك .
- لن أذهب معك أبداً .
تجمدت رندا في مكانها وهي تتأمل تلك الفتاة الغريبة وهي تقول في عصبية :
- في هذه الحالة سأضطر أن تكوني وجبة شهية لإحدى الأشياء التي كانت تعيش في عالمك .. ياله من شيء مؤسف أن تكوني وجبة خفيفة لوحشٍ جائع .
- في هذه الحالة سأضطر أن تكوني وجبة شهية لإحدى الأشياء التي كانت تعيش في عالمك .. ياله من شيء مؤسف أن تكوني وجبة خفيفة لوحشٍ جائع .
قالت ذلك وهي تفسح المكان لذلك الوحش المرعب قائلة في هدوء :
- أيها الوحش هذه وجبتك الشهية اليوم .
- أيها الوحش هذه وجبتك الشهية اليوم .
تحفزت كل عضلة من عضلات رندا وهي تتأمل الوحش في هلع وهو يقترب منها ويزمجر بقوة لافتراسها , وفجأة اندفع بسرعة رهيبة متجهاً ناحيتها ..
وكانت المواجهة الغريبة ..
بين وحش وفتاة .
(4)
في اللحظة التي انقض فيها الوحش ناحية رندا بشراسة تنحت هي جانباً ثم دارت حول نفسها بسرعة وخفة وركلته بعنف في رأسه تماماً .. اشتعل الغضب في أعماقه وهو يتلقى ضربتها القوية فتراجع إلى الخلف قليلاً وانقض عليها مرة أخرى , فابتعدت عنه قليلاً ثم هوت بكلتا يديها على مؤخرة عنقه بضربة هائلة سقط الوحش على إثرها أرضاً وهو يطلق زمجرة متصلة , وبسرعة أخذت حجراً ضخماً وهوت على رأسه في قوة فسقط الوحش جثة هامدة .
وقفت وهي تمسح العرق المتصبب على جبينها في حين أطلقت الفتاة الغريبة ضحكة عالية وهي تقترب منها وتقول :
- إذن فأنت تجيدين القتال يا فتاة .. جميل جداً فلا تضيعي الكثير من الوقت .. تعالي إلى عالمنا ولن تندمي على قرارك هذا .. صدقيني لن تندمي أبداً .. أبداً .
صرخت رندا بكل الهلع والخوف المعتمل في نفسها وهي تقول :
- لا .. لا هذا مستحيل .. مستحيل .. أنا أحب أن أعيش في عالمي .. لا أريد عالمكم .. أرجوك ارحلي عني ودعيني وشأني .
- لا .. لا هذا مستحيل .. مستحيل .. أنا أحب أن أعيش في عالمي .. لا أريد عالمكم .. أرجوك ارحلي عني ودعيني وشأني .
انتبهت من النوم لتجد نفسها على فراش غرفتها الصغيرة وأمها بجوارها تحتضنها كالعادة وتقبلها بغزارة وهي تقول :
- رندا يا ابنتي الوحيدة .. أفديك يا بنيتي العزيزة بروحي, ما الذي أفعله من أجلك لأخلصك من هذا الكابوس ؟ أأمنحك حياتي ؟ أأمنحك بقية عمري؟ .. رندا أرجوك إن كنت تحبينني يجب أن تذهبي إلى الطبيب النفسي .
- رندا يا ابنتي الوحيدة .. أفديك يا بنيتي العزيزة بروحي, ما الذي أفعله من أجلك لأخلصك من هذا الكابوس ؟ أأمنحك حياتي ؟ أأمنحك بقية عمري؟ .. رندا أرجوك إن كنت تحبينني يجب أن تذهبي إلى الطبيب النفسي .
ردت بصوت ممزوج بالخوف :
- حين يسفر الصباح عن لثامه سأذهب إليه يا أمي.
- حين يسفر الصباح عن لثامه سأذهب إليه يا أمي.
واستطردت في هدوء لا يتناسب مع الموقف وعيناها تبرقان على نحو غريب :
- يجب أن ينتهي هذا الكابوس من حياتي .
- يجب أن ينتهي هذا الكابوس من حياتي .
ثم أردفت في قوة :
- مهما كان الثمن .
- مهما كان الثمن .
ليتها كانت تعلم تلك اللحظة ذلك الثمن .
وياله من ثمن .
(5)
كانت هذه المرة أكثر ثقة بنفسها من ذي قبل
بل أنها كانت تبتسم لتلك الفتاة الغريبة مما جعل هذه الأخيرة تقول في هدوء :
- يبدو أنك قررتِ أخيراً أن تأتي معي إلى عالمنا .. أليس كذلك ؟
ابتسمت رندا وهي تقول في هدوء :
- هذا صحيح .. لقد قررتُ أن أهجر عالمي وآتي معكِ إلى عالمك .
- هذا صحيح .. لقد قررتُ أن أهجر عالمي وآتي معكِ إلى عالمك .
انطلقت ضحكة عالية من الفتاة الغريبة وبرقت عيناها ببريق النصر وهي تقول :
- صدقيني لن تندمي على قرارك هذا أبداً .
- صدقيني لن تندمي على قرارك هذا أبداً .
ثم استطردت تقول :
- اتبعيني سنذهب الآن .
- اتبعيني سنذهب الآن .
قالت عبارتها وهي تتجه إلى مدخل الكهف ورندا تتبعها في ثقة إلى أن توقفت الأخيرة فجأة وهي تمسك بيدها مسدساً ضخماً وتصوبه إلى ظهر الفتاة الغريبة وتصرخ في قوة :
- سأقتلك أيتها الغريبة .
- سأقتلك أيتها الغريبة .
التفتت الغريبة في حدة وهي تتأمل ذلك المسدس الضخم الذي تصوبه رندا إليها ثم زمجرت بعصبية وهي تقول :
- ما الذي تفعلين أيتها الغبية ؟
- ما الذي تفعلين أيتها الغبية ؟
تضاعف الغضب في نفس رندا وهي تقول في ثورة عارمة :
- سأنقلك من عالمك الذي تعيشين فيه إلى عالم آخر .
- سأنقلك من عالمك الذي تعيشين فيه إلى عالم آخر .
ثم أردفت في حزم :
- إلى الموت .
- إلى الموت .
(6)
بكل الغضب المشتعل في أعماقها أطلقت رندا رصاصة من مسدسها نحو الفتاة الغريبة .. وانطلقت صرخة عالية شقت الفضاء .. كانت صرخة تودع الحياة .. وفاحت في المكان رائحة الموت .
وعلى إثرها انتبهت من نومها لترى ذلك الدخان المتصاعد من مسدسها الذي كان ما زال في يدها ..اختلطت الأفكار في رأسها هل هذا حلم أم حقيقة ؟ نعم لقد تذكرت الآن كل شيء .. لقد نامت هذه الليلة بعد أن وضعت مسدسها تحت مخدتها لتحس معه بقليل من الأمن والأمان .
تنهدت في ارتياح وهي تمسح العرق الغزير المتصبب من جبينها وهي تقول :
- الحمد لله لقد انتهى أمر ذلك العدو المجهول من حياتي .
ثم رفعت عينيها عن ذلك المسدس تدير بصرها في أرجاء الغرفة فتجمدت عيناها عند باب غرفتها المفتوح , وبكل الخوف والهلع قفزت رندا من مكانها إلى هناك ..
كانت هناك جثة تسبح في بركة من الدماء وقد تفجرت جمجمتها في بشاعة .
كانت الجثة هامدة تماماً
ولم تكن جثة الفتاة الغريبة
بل كانت وبكل أسف
جثة أمها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق