الثلاثاء، 14 يونيو 2011

وسقطت في مستنقع الألم ..









وسقطت في مستنقع الألم ..
( قصة اجتماعية مستوحاة من الواقع )


مدخل إلى القصة :

" لم تكن اليمنية نجود الأهدل (10 سنوات) التي منحتها مجلة «غليمور» الأميركية جائزة «امرأة العام 2008»، هي الطفلة الأولى ولن تكون الأخيرة في مسلسل زواج الصغيرات (القاصرات) في اليمن. ذاع صيت الأهدل، اثر تناول وسائل الإعلام خبر تطليقها من رجل يكبرها بعشرين سنة، إلاّ أن المئات من الصغيرات ما زلن يعانين استمرار هذا النوع من الزواج. وما زال اليمن يصنف بأنه الأسوأ في مجال انتشار الزواج بين الأطفال، بحسب تقرير أصدر العام الماضي، «المركز الدولي لدراسات المرأة». وحلت اليمن في المرتبة 13 من بين 20 دولة صُنفت على أنها الأسوأ في زواج القاصرات الصغيرات. وتصل نسبة الفتيات اللواتي يتزوجن دون الثامنة عشرة إلى 48.4 في المائة.
دراسة أخرى نفّذها «مركز دراسات وأبحاث النوع الاجتماعي والتنمية»، التابع لجامعة صنعاء، العام الماضي، في محافظتي حضرموت والحديدة، كشفت أن 52 في المائة من الفتيات دون الخامسة عشرة، متزوجات "

هذا هو الخبر من واقعنا المعاش ..
والذي أستوحيت منه قصتي التالية عساها تقرب بعض الصورة :


القصة :

نجود .. تلك الطفلة ذات العشر سنوات كانت تلعب مع أطفال الجيران أمام منزل أبويها حين قاطعتها أمها وهي تصرخ بصوت مرتفع :
- نجود .. تعالي إلى عندي بسرعة ..
- ماما خليني أخلص اللعب مع البنات ..
- لا .. تعالي الآن قبل ما أجي أجرك من شعرك .
- خلاص خلاص ماما .. الآن جاية .
وهرولت بسرعة إلى داخل البيت وفي يديها وعلى ثيابها بقايا الطين الذي كانت تبني به البيت الذي ما أكتمل بسبب نداء أمها عليها .. أخذتها أمها إلى الحمام وبعد أن أغسلتها جيداً .. ألبستها فستاناً أبيض .. ووضعت في عنقها وفي يديها بعض الجواهر البسيطة .. ومشطت شعرها وزينته ثم وضعت على وجهها بعض المساحيق .. كانت الفرحة تغمر قلب نجود وهي ترقص وتغني طرباً وسعادة ببراءة الطفلة ذات العشر سنوات لهذ التزيين الذي تقوم به والدتها دون أن تتساءل عن السبب في بداية الأمر فقد كانت فرحتها وإنذهالها أكبر من السؤال .. إلى أن قالت :
- ماما .. اليوم عيد ؟ !
- لا .. حبيبتي .. اليوم عرسك .
- عرسي ؟ .. ايش عرسي ماما ؟ .. يعني زي اللي نلعبه إحنا الأطفال ؟
- ايوا .. زي اللي تلعبوه .. بس ذي المرة بتسكني مع زوجك في بيت ثاني .. بيت ملكك وحدك وبس .
- ههههههههه بيت ملكي أنا وحدي ! والله حلو مرررة ماما .. متى أروح بيتي ؟
- هههههههههه الآن جاي زوجك نبيل ابن خالك مع الأهل كلهم .. وبتروحين معاهم .
- ماما .. عمو نبيل هو اللي تزوجني ؟
- اصصصص أقطع لسانك لو تقولي عمو نبيل مرة ثانية .. الحين هذا زوجك .
- ماما .. بس ...........
قاطعتها أمها في حدة :
- كلمة واحدة ما أريد .. زوجك بعد دقائق جاي .. ولازم يشوفك حلوة وفرحانة .
- حاضر ماما .. بس اشتروا لي عروسة صغيرة .. وأنا با أروح معاه .
- هههههههه من عيوني يا بنتي .. بس اسمعي كلام زوجك وخليك مطيعة .. شوفي الراجل دافع لأبوك ستمائة ألف ريال مهر لك .
- ماما .. يعني نبيل اشتراني منكم بفلوس كثيرة ؟
صمتت الأم دون جواب .. فقد كان السؤال مفاجئاً ومؤلماً جداً .. وهكذا هم الأطفال ببراءتهم يعجزون الكبار عن الكلام في بعض الأحيان .. آثرت الأم الصمت البليد .. وهي تكاد تنتهي من تزيين ابنتها العروس ذات العشر سنوات لابن خالها نبيل الذي يكبرها بعشرين سنة ..
يومها استقرت نجود في بيتها الجديد .. كانت فرحانة بفستانها الأبيض وزينتها وعروستها الصغيرة التي جلبوها لها كي تذهب مع زوجها .. اقتادها نبيل إلى غرفة نومه .. جلست على السرير الناعم تتحسسه بيديها الصغيرتين وعيناها تدوران في أرجاء الغرفة بنظرات فضولية بريئة ..
- هذا هو بيتك الجديد يا نجود .
- بيتي أنا وحدي ؟ هههههههههه أنا فرحانة كثييييير يا عمو .
امتغص وجهه ألماً وصرخ بها :
- خلاص أنت اليوم كبيرة .. امرأة متزوجة .. انسي أنك طفلة .
أدارت رأسها في حيرة .. لم تفقه اليوم كثيراً مما يحصل ويدور حولها .. لكنها تذكرت كلمات أمها وهي توصيها بالطاعة والانصياع .. وتهددها بالضرب المبرح في حال خالفت ذلك .
كانت تستمع لثرثرة نبيل .. وهو يعطيها دروس في الطاعة أيضاً .. لم تدري لماذا استمعت اليوم كثيراً لمثل هذا الكلام .. إلى أن غلبها النعاس ونامت بفستانها الأبيض وعروستها الصغيرة بين أحضانها ..
بعد لحظات كان نبيل ينقض عليها وينزع عنها ثيابها كذئب مفترس .... استيقظت على وقع يديه تعبث بأنحاء جسمها .. لم تكن تعلم ما يراد منها .. لكنها أحست بالخطر وبالقرف .. وبحركة لاشعورية كانت ترفسه برجليها وتضرب صدره بيديها .. وهي تصرخ وتبكي .. وتتوسل إليه أن يدعها .. لحظتها كانت تواجه وحش مفترس وليس كائن بشري .. لقد كان يضربها بقوة وعنف .. لم يدع جزءً من جسمها إلا وأوجعه ضرباً .. إلى أن انهارت بين يديه كأرنب مذبوح .. حينها عصر الدوار رأسها وأظلمت عيناها .. وفقدت الوعي .
في تلك اللحظة .. سقطت عروستها الصغيرة من بين يديها على الأرض ملطخة بدماء أنوثتها التي سالت دون رحمة أو شفقة .. وتساقطت معها براءتها وطفولتها وأحلامها وكرامتها وإنسانيتها كأوراق خريف في يوم عاصف .. وسقطت في مستنقع الألم


بقلمي / فارس الحكيم
يوم الأربعاء الموافق 18-05-2011 م






0 التعليقات: