الثلاثاء، 14 يونيو 2011

الحُلْم .. (قصة خيالية)


الحُلْم ..



في تلك الليلة الباردة من ليالي الشتاء القارس تمدد الدكتور سيف على سريره بعد يوم مرهق ومضني بالعمل في عيادته الكائنة في تلك القرية البسيطة .. لقد كان جل وقته مشغولاً باستقبال حالات المرضى ومعالجتهم .. وكانت شهرته كطبيب ماهر قد بلغت القرى المجاورة .. والمرضى يتقاطرون عليه من كل مناحي البلاد .. حتى صارت قريته تلك قبلة يؤمها الناس من كل حدب وصوب ..
بدأ النوم يغزو جفونه وراح في سبات عميق .. وفجأة سمع صوت طرقات منتظمة على باب غرفته .. فتح الباب وإذا برجل غريب يخبره أن له مريضة في قرية أخرى وأنه لم يستطع إحضارها معه .. وهي تعاني من آلام الدورة الشهرية (أو ما يطلق عليه الناس بآلام الرِياح) .. كان الوقت متأخراً جداً في تلك الساعة من الليل لكنه لم يكن ليتردد في إسعاف ومعالجة أي مريض وفي أي وقت وفي أي مكان .. وضع الأدوية والعقاقير والأدوات اللازمة في حقيبته الطبية التي كان كثيراً ما يصطحبها معه في مثل هذه الحالات الطارئة والمستعجلة خاصة وأن الطرق لم تكن معبدة بين تلك القرى المترامية الأطراف وبعض المرضى لا يتحملون مشقة الطريق .. وها هو الآن يقطع الطريق مع ذلك الرجل الغريب في تلك الليلة المظلمة والقارسة البرد .. لم يتحدثا طوال الطريق فقد كان البرد كفيلاً بإطباق شفائفه عن الكلام بل كان يرتعد من شدة البرد .. ومن شدة الظلام كان بالكاد يرى موضع قدميه على ذلك الضوء الخافت الصادر من المصابيح اليدوية التي كان يحملها كل واحد منهما.. لم يمضي على ذلك سوى وقت وجيز وإذا بهما يقفان أمام جبل كبير في قرية مجاورة , وكان يعرف موضع ذلك الجبل .. وقف قليلاً خلف الرجل في ذهول وتعجب يتلفت حواليه فلم تكن تلك المنطقة مأهولة بالسكان .. وإذا بجانب من الجبل أنفتح عن باب ضخم لمدينة كبيرة وضخمة ..
التفت إليه الرجل وقال : لا تلتفت إلى أحد هنا يا دكتور .. فقط أمضي خلفي ولا تخف من أحد .. وإن كلمك أحد هنا فلا ترد عليه ..
كان هناك سوقاً كبيراً وسط المدينة .. وكان هناك أناس وباعة كُثُر.. لقد رأى مختلف أنواع السلع والبضائع .. وعلى ما يبدو كانت مدينة قديمة لكنها متحضرة ومرتبة ونظيفة إلى حدٍّ كبير .. ولفت نظره كثرة أسواق الملح هناك .. وكان الرجال في تلك المدينة يبدون مختلفين في أشكالهم .. فقد كانت لهم عيون طولية وألوان بيضاء مائلة للاحمرار .. لكنه كان يمضي خلف ذلك الرجل دون تفكير أو تساؤل .. فقط الاستغراب والذهول يجتاحه دون أن ينبس ببنت شفة .. حتى وصلا إلى المنزل الذي يحتوي المريضة .. كان حولها أبوها وأمها .. وكانت تئن وتتوجع وتصرخ من شدة الألم ..
-تفضل يا دكتور .. اكشف على المريضة .
قالها له ذلك الرجل الذي صاحبه طوال الطريق .. لم يرد عليه بل فتح حقيبته وأخرج منها سماعته وأدواته .. كشف عليها ثم بدأ يجهز (الحقنة ) المهدئة الخاصة بهذا النوع من الألم .. وهنا فقط بدأ يتساءل يا ترى ما هذه المدينة الغريبة ؟ وكيف هي مخفية في باطن ذلك الجبل الكبير ؟ ومن هؤلاء القوم الأغراب ؟ ولماذا أشكالهم مختلفة عن الناس ؟ وكيف جاء إلى هنا مع هذا الغريب دون تفكير أو تساؤل ؟ .. بدأ الخوف يساوره .. وبدأ الشك يغزوه .. هل هو في حقيقة أو في حلم .. لكنه رجح في نفسه أنه كان يحلم .. فكل ما حوله لا يمت للواقع في صلة .. وذلك الرجل جاءه إلى المنزل بعدما نام هو .. إذن فقد كان يحلم بالتأكيد .. إنه حُلم ..
التفت إليه ذلك الرجل وكأنه شعر بما يدور في نفسه :
-لا تخف يا دكتور .. قم بعملك .. مريضتنا ستموت إن لم تفعل شيئاً .
لم يرد عليه بل انتهى من ضرب الحقنة لتلك المريضة والتي سرعان ما استجابت بنوم عميق .. ثم كتب لها الوصفة الطبية المناسبة .
-هاك أجرتك خذها يا دكتور .
قالها ذلك الرجل وهو يمد له بريالين فرانص .. استغرب الدكتور لذلك كثيراً فقد كانت تلك العملة الفرنسية تنتمي إلى عام 1760 م رغم تداولها إلى أجيال كثيرة .. وهي عملة معدنية من الذهب الخالص .. و لم تعد متوفرة للتداول بين الناس .. وإن ظلت نادرة وغالية الثمن حتى ذلك الحين ..
-خذ أجرتك يا دكتور .
كررها ثانية وقد رأى شرود الدكتور .. والذي أخذها ووضعها في داخل حقيبته مع بقايا الحقنة .. وانطلقا معاً راجعين إلى منزل الدكتور .. لقد عاد به الرجل من طريق آخر وبدت الطريق هذه المرة بعيدة جداً .. لا يدري هل هي كذلك بالفعل ؟ أم لشعور الخوف والذهول الذي رافقه في طريق العودة بينما لم يكن كذلك في طريق الذهاب .. لا يدرى سوى أن ذلك الرجل فارقه عند المنزل ومضى إلى حاله .. وبعد أن توجه إلى فراشه لم يحس بشيء آخر فقد نام بعمق حتى الصباح .. وحين صحا من نومه في الصباح بدأ يستذكر تفاصيل ذلك الحلم .. وعندما أحضرت له زوجته فنجان قهوته الصباحية بدأ يحكي لها حكاية الليلة الماضية وذلك الحلم الغريب .. وحين وصل إلى نهاية حكايته تلك .. رأى حقيبته الطبية في غير موضعها .. لقد كانت بجواره .. وفي لهفة وفضول فتحها .. لقد رأى بقايا الحقنة التي أستخدمها لتلك المريضة الغريبة موجودة في حقيبته .. وبجوارها الأجرة التي أخذها من ذلك الرجل الذي صاحبه ..



يوم الخميس 28-04-2011 م

0 التعليقات: